16 فبراير، 2008

" كَفَـــــــاكـَ صمتَـــاً يَــــاوَلَــــدِي ..!!"




الاجساد لا معنى لها دون أن تسكنها روح .. تُحرِّكها المشاعِر.. تقذفُ بها تارةً هُنا وتارةً هناك ..



يحس الجسد أحياناً برغبة عارمة بالطيران ... إثر مشاعر دفّــاقة تُدغْـدِغُ روحهُ السَّــاكِنة بين جنــابته ..


ومـا أجملها من لحظات حين ينبت من الجسد جسداً آخر .. فيحس بأنّ روحه متمثلة في ذاك الجسد الصّغير ..


طفلٌ جـديد .. ظهر نتاج إتّحَــاد رُوحين تُغلِّفهُمــا المودَّه والرّحمة .. بوجوده يكتشفــان عالماً جديداً ..



فعينــاهُما لاتكلان عن مُراقبته .. ولا تمـل مــن رؤيته ..يتتبعان همساته وضحكاته .. بــــــــكل شغفٍ وحـب ..



يُهيء لهُم بأنّــه الأجمـل في هذا الكـون .. فلا أحد يضاهيه جمالاً ولا براءة ولاذكــاء..فها هو قـد نام .. ثم صحى .. ثمّ ابتسم ..


والان صار يُلوِّح بيديه و يصرخ .. ولكنه بكى .. فلا يكفَّــــان عن الحديث عنـه وعن أحواله مـع جميع النّــــاس ..



وكأنّ مراحـل نموه بــاتت أهم أخبار هذا الوقت .. ومـا أن يبدأ يلملم الحروف .. الا وتبدأ قصة جديدة ..



ينطق إسـم ابيه .. فتشتعل نيران الغيره في قلب امّه الحنون .. فتبد أبسلسله متواصله ومستمرة مـن المحاولات في تلقينه إسمها ..



فلا تمل ولا تيأس من ترديد اسمها على مسامعه .. حتى تنجح أخيراً في تحقيق مبتغاها .. فتهرع مسرعةً الى زوجها ..



لتثبت له بأنها إنتصرت .. فيأبى الطفل أن ينطق .. فتتسلسل إليها خيوط الهزيمه ولكنها ترفض الاستسلام لعناد طفلها المدلل ..



فتحاول وتحاول .. ثم يحرك شفتيه الصغيرتين لينطق بإسم ابيه .. فتنسحب وسط ضحكاتٍ هستيريه من الأبْ ..



يكبَر الطِّفل شيئــاً فشيئاً بين أحضـــــان والِديه .. حتّى يبدأ بتكوِين قامُوسه الخاص بهِ من كلِمات مُحرَّفه لا يفهَمها سِواهُما ..



فكلِمه يعكِس حرُوفها .. وكلِمه يُنقِص منها حرفين .. وكلِمه لا يأخُذ منها الاّ حرفَها الأوَّل وهكذا ..


ولكنَّها أجمل لُغه يتعلَّمانِها في حياتهما ..


ثُمّ يبدأ بتركِيب الجُمل ..ثُمّ تبدأ فترة العِناد وتكوِين الشّخصيّه .. ثُمّ يمُر الوقت سريعاً حتّى يغدُو صبياً/ـه



فيسأل عن كُل ما تقع عليه عينــــاه في هذه الحياه .. يستفسِر عن أمُورٍ كثيره .. يُناقِش .. يُحاوِر ..


يقبل القليل ويرفُض الأغلَب .. يُدافِع عن رأيِه ويُصر على موقِفِه .. فيستمِر في ذلك .. حتّى يتعدّى الخُطُوط الحمراء ..



فيأمُرُه الأب أنّ يصمُت ..




وهنا تختلِف الحيَـــــاة ..فمرةٌ أُصمت .. ومرةٌ أُخرج .. وأُخرى انتهى الموضوع ..



حتّى تتولد فجوه كبيره بين الاب وابنه .. فلا هُو بالذي يسمع .. ولا بالذي يُحسِن التوجيه ..



فيُفضِّل الابن أن يلتزِم بالصَّمت ..!



فتضيق تبعاً لذلك المساحه المُشتركــه بين الطّرفين حتَّى تتلاشى .. فيصير كلٌ منهُما يتصرَّف بحسب قناعاتِه المُتمسِّك بها تعنُّتـــاً ..



فالأب يُمـــــارِس دكتاتوريَّته بتصريح الأبوَّه .. والابن يُنــاضِل في سبيل الحصُول على حريته المُضطهده ..



ويستمِر نِضاله في اطــار العقُوق .. ويُفسِّر كُل طرف تصرُفات الآخر بِحَسب ما تُمليه عليه أهواءه ورغباته ..



فتتبدَّل مشاعِر الرَّحمه والحُب الى غضب .. والاحتِرام والتقدير الى تحدِّي ..والنتيجه خســـاره للطرفين ..


وبعد فترات ليست بالقليله .. ومراحِل ليست بالهيِّنه ..يحن الأب لمُداعبة ابنه المُدلّل .. يشتـــــــاق لحدِيثِه ..


يتمنّى أن يعرِف ما يختلِج في نفسِهِ من عبرات وزفرات ..


ولكنَّهُ يكتشِف بأنّه قد فات الأوان .. وقد ســـــار الرَّكب بِمن ركب .. وبأنَّ ابنهُ قد أَلِفَ الصَّمت .. وصار من سمتِه ..



فيصيح بــــأعلى صوتِه : " كَفَـــــاكَ صَمتَـــــــاً يا وَلَــدِيْ ..!! "000



فلماذا ننحدِر بأنفُسنــا الى دركَـــــات التّعامُل مع أبناءنـــا ..!!



لماذا لا ننتبِه لأخطائنـــا الاّ بعد فوات الأوان ..!!


وقد لا ننتبِه ..


لماذا نُلغِي مساحة الحوار بيننــــا وبين أبناءنــــا ونعتبرهُ تعدِّي للحدود ..!!



لماذا نهدر الكثير من الوقت والجُهد .. في تلقين أبنائنــــــا الكلِمـــات ثُمّ نطلُب منهم أن يصمُتُوا ..!!



لماذا نُغدِقُ عليهم حباً وعطفاً وهُم صغاراً " لا يدركون " ثمّ تجف عواطفنا اذا كبروا ..!!



لماذا لا نكُف عن تقبيلهم وهم أطفالاً .. ثمّ نصير لا نُقبلهم الا في المناسبات ..!

بقلم / مدى العقل



هناك تعليقان (2):

عـابر سبيـل ..! يقول...

ما شاء الله ..!


سبحان من وهبك قلماً سيالاً ..!


صراحـة وأنا أقرأ المقالة ..

في البداية كنت أضحك من تصرفات الأب والأم ..


ولكن لم تستمر هذه الإبتسامة ..

فقد إنقلبت لعبرة على حال هذهـ العائلـة ..

والتي صورت عن طريقها حال كثير من الأسر ..



جزيت خيراً ..!

مدى ابراهيم العقل يقول...

نعم للأسف هكذا هو حال كثير من الأسر ..

لأنه مادام الأب والأم بلا وعي ولا ادراك حقيقي لوقع تصرفاتهم على ابناءهم ..

فهذا هو مصيرهم .. تفكك لا حدود له ..

أصلح الله الحال ..

وجزاكـ الله خيراً ..