13 أغسطس، 2008

ظُهُورُ الأجْسَاد !


دَاهمتْها كثيرٌ من الخطُوب في هذا الصباح ، آخرُ صباح تدرس فيه ، وآخرُ إمتحانٌ تُجريه ، وآخرُعهدها بمدرستها الثّانوية ، وآخرُ استيقاظ مبكرٍ لها في حياتها ، فقد حكمت على نفسها بمكوثٍ سرمديٍ - في البيت - حتى يأتيَ ابن الحلال !
صباحٌ أخير في كُلِّ شيء ، وقد أضافت لهُ أخيراً آخر حينَ أقسمَت على نفسِهَا أن لا تطأَ قدمها حرماً دراسياً بعدَ اليوم ! ولكنّها تتوقعُ أن تجبرها أمها على التكفير عن هذا القسم في وقتٍ لاحق ..
إلا أنهُ لم يخطر ببالِها أن تعتذر الحافلة التي تقلُها إلى المدرسة عن المجيء هذا اليوم ، لتضطر أن تصحب صديقتها في الذّهاب ، ليكون الأوّل الفريد من نوعهِ هذا الصباح !
خرجت من البيت تُشيّعُها دعوات والدتها التي رافقتها مُذكّرةً لها بالأدعية والأذكار والنّصائح حتى الباب المؤدِّي إلى الشّارِع ، خرجت وقد توشّحَت بمشاعر مُتذبذبة من القلق والتّوتُّر والخَجَل ، دثّرتها بالعباءة ومضت قدُماً إلى سيّارة والد صديقتها ..
ركبت السيارة وقد أسرّت لنفسها بالسّلام ، وإذا بصديقتها تجلس بجوارها في المقعد الخلفي لتترك المقعد الأمامي لأخيها منتشياً بلذّة الجَدِيد !
اقتربت منها - الصديقة - هامسة : كيف حالكِ !
فأومأت برأسها أن بخير ..
- ماشعوركِ !
فوضعت اصبعها على فمِها وقالت : اششششش ..
كانَ جلوسُ صديقتها بجانبها كفيلاً بتبديد مشاعر الإرتباك والخَجَل ، انحنت قليلاً لتخرج كتابها من الحقيبة ، علّها تتمكّن من تثبيت بعض المعلومات عسِرة الحفظ ، كان الجوُّ في السيارة هادئاً إلا من صرير الهواء البارد المُنبعث من فتحات التكييف الأمامية ، سيطرة السّكُون وتمكُّن السائِق من القيادة يبعثُ الرّاحة في النّفس ، عند الإشارة أخذت " سهام " تنظر من النافذة ، تُحاول أن تُشبِع فضولها بإلتهام أكبر قدر ممكن من مناظر السيارات حولها ، فهيَ لاتزال على عهدها بهوايتها القديمة والتي تكمن في الحملقة بالسائقين والضّحِك عليهم !
إلا أن صوتاً مدوياً في الجوار قطعَ هذه الراحة ، ومزّقَ هذا السُّكُون ، لفتاتٌ سريعة للبحث عن مصدرِ الصوت .. هناك .. رجلٌ مُلقى على الأرض ، سيارةٌ تنحرف في الإتجاه المُعاكِس وتنْطلِق بسرعةٍ جنونية ..
صَرَخَ الصّغير : لقد هَرَب !
أبواب السيارات تُفتّح ، أفواجٌ تجتمع تتحلّق حولَ الرّجُل المُلقى بِلا حِرَاك ، تزاحمٌ سريع حتى استُبدِلَت - في لحظات ! - تلك الصورة بأجسادٍ مُتلاصِقة من الخلف ، وكأنّما قَصَدت- عمداً - تلكَ الأجساد أن تحجب الرؤية عنها ، لم يكُن قلبها الصّغِير يحتَمِل هذا المشهد الدّامي ، إلا أنها كانت تبحث - عبثاً - عن أي شق بين تلك الظهُور تُطِلَ بهِ على ذاكَ الرجل ، تُرِيدَ أيّ إيماءة تُوحِي لها أن ذاكَ الجسد لم تُحِلهُ الصدمة إلى جثة ، ترَ ضجيجاً لا يصِل إلى أذنها .. وتسمعُ صوراً لا تُبصِرُها عينها !
تمنّت أن لو كانَ بمقدورها تمزيق تلك الظهُور ، ودّت لو أنَّ العالم قدْ خَلا من البشر ! رجالٌ كُثُر تجمهروا حولَ الرّجل ، بينَ مُشفِق ومشدُوه ، وآخر متطفل لا لهُ ولا عليه ..
الإشاره صفراء .. خضراء ..
تبتعد صورة ظهُور الأجساد شيئاً فشيئاً حتى تغدُوا نقطة سوداء صغيرة ، يُحِيلُها الوقتُ عدماً !
^
^
^
كانت تلكَ القصة واجباً ضمنَ دورة نتّية لـ " القصة القصيرة " :)



هناك 12 تعليقًا:

غير معرف يقول...

ما شاء الله قصة جميلة !

اقتباس :
[ رجالٌ كثير تجمهروا حولَ الرّجل ]

تمنيتها : رجال كُثُر !

أمنياتي لك بالتوفيق ~

مدى ابراهيم العقل يقول...

الأخت / النهى !

شكر الله لكِ طيب صنيعكِ .. وأشكركِ على الملاحظة التي عملتُ بها :)

حييتِ في ندونتي ضيفةً جديدة !

غير معرف يقول...

العنوان جذّاب .. الفكرة هادئة .. الوصف جميل ..

تبدعين في الوصف أكثر ..

أليس لها أخوات :)

غير معرف يقول...

اللهم بلغنا رمضان واعنا على القيام والصيام

بصراحة الطرح لقلمك بداع يخلفه ابداع قادم ... انشاالله

حلوة حيل ... استمتعت بها

دمتي بود
عبدالله

غير معرف يقول...

سعدت بوجود حروف جديده هنا
رائع ماكتبتي وطرح جيد
بوركت حروفك

شيء ما خارج الموضوع:
أتمنى أن يكون هنا مكان لفضفضتك الرائعه

وشكرا
hadaeeq.com

الخنساء السلمية يقول...

جميل .. مدى مشروع قاصة واعدة ..

استعملك ربي في طاعته ,

أستعذب حرفك بصدق ,

شهيدة يقول...

أطالب رسميا باكمال القصه ففيها من السعه ما يستوعب المزيد من الاحداث


سلم مدادك

وكل عام وانت بخير

غير معرف يقول...

اسلوب جميل، وسرد رائع، وصور مثيرة، تبعث على الانجذاب أكثر وأكثر .. حتى آخر حرف !

واصلي في كتابة القصص، أراكِ متفوقة في ذلك ~

وفقك الله .

غير معرف يقول...

كأنه من زمان عنك !

مدى ابراهيم العقل يقول...

عزيزتي منيرة !
سرّني كثسرا سؤالكِ عنّي ياعزيزتي :)
وما منعني عن التواجد إلا انشغالي بتحضير مدونتي الجديدة .. واعتذر عن عدم الاخبار بذلك ..
فانتظروا أجراس بحلتها الجديدة قريبا باذن الله ..
ولا تنسينا من دعائكِ لأن الموضوع قد طاال وأوشكت على الملل .. أ, فعلت :)

دمت بودٍ وصفاء :)

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعه يقول...

قصة رائعه ..



واسلوب أروع .. أتمنى لك التوفيق من كل قلبي يالغلا ,,



تحياتي لك ..


صديقتك ......

ذبذبات انثى يقول...

جميلة هذه الكلمات
واحرف متألقه عزيزتي

تحيآتي لسموك الكريم ..